غضب متأرجح

اليوم،

رأيتُ نفسي بين غيمتين
أتأرجح على فراش حريري، وبجانبي قطة.
أرى العالم بعينين صفراوتين
عاقدة الحاجبين
يبدو بأنني حتى في السماء غاضبة.
هذا الغضب لن ينتهي أبدًا.

..

أن أتنفس، يبدو لي بأنه جهد، وُجب أن يبذل، أن أحرك رئتاي، وأن أمارس تمارين التنفس. هكذا.. كما قالت لي أخر مرة: عليك أن تتنفسي، وجهك أزرق.. هل سيغمى عليك؟.

تنفسي.

11-5-2024

فتاة القمر (قصة قصيرة جدا)

Illustrator: unknown.




لم يكن ثمة إلا حل واحد لهذه المشكلة، فقد كانت الأم تخاف بشدة أن يبلتع القمر ابنتها، وعليه، قامت بلصق عينيها بغراء.

لكن الصغيرة أخذت لياليها تبكي بكاء حادًا كلما دقت الساعة معلنة ظهور تلك الدائرة المضيئة التي تتوسط السماء. فلم يكن لأحد من أهل القرية إلا أن يسدل ستائر منزله وألا يخرج منه إلا عند الضرورة ناكسًا رأسه. لم يكن أحد منهم يريد رؤيته. ولم يكن أحد يريد أن يموت تحته.


أذاب دمعها الغراء، و رويدًا رويدًا.. بدأت تشعر بمايختبئ خلف الغيوم ليلًا. يلقي بخيوط مضيئة لتمد لها الطريق لتتبعه، ومشت تهتدي بخطواتها نحو نجم كبير.. ومغمضة عينيها، أخبرت أمّها بأنها ستذهب لإحضار الخبز ثم تعود بسرعة.

بدأت تعد خطواتها حتى ابتعدت عن المنزل وتوقفت عن العد.. أخذ الخباز يصيح من وراءها “أخفضي عينيك، لا ترفعي رأسك..” لكنها.. بدت كمن انفصل عن من حوله.

ولأول مرة، رأت ذلك النجم بوضوح.. فأخفضت الأشجار أغصانها، وأزاحت الغيوم نفسها عن الطريق، وسكنت الغربان. مدّت أصابعها الصغيرة تلمس سطحه الخشن البارد، غطّت الخيوط المضيئة جسدها حتى سكنت حركتها.. واختفت.

كأن عنكبوتا كبيرا بدأ ينسج بيته بداخل رأسي؟. كلما أردت التحدث عن أمر ما، إنعقد لساني بخيط حريري فيلزمني الصمت. أحتاج للموسيقى لكي تنفك هذه العقد ويتحرر لساني.

أخر مرة سمعت عن الفتاة التي ابتلعها القمر. كدت أن ابتلع لساني من الدهشة.

هممم، الأمر مرتبط دائما بهذه العضلة المرنة. آه كم تحب العناكب لف الألسنة. ربما لتنقذ صاحبها من شيء ما؟.


يالله، هل بسُكنى العناكب داخل رأس أحدهم، يصبح صاحبها؟ ماهذه العلاقة؟ نعم، لقد درستها مسبقا، إنها علاقة تعاونية بين الإثنين، حيث لا يضر أي منهما، فقط، ثمّة الكثير من الإستفادة.

ولكن ماهي الإستفادة من لف عنكبوت للسان صاحبه غير إنقاذه من زلات اللسان والمشاكل؟..
احتجت فقط لأربع دقائق من الموسيقى لأتحدث عن العنكبوت الذي يقطن رأسي وينسج بيته بكل هدوء. أشعر بالصدء بين أطراف أصابعي، وعيناي تؤلمانني كلما فكرت بشيء ما. أربع دقائق فقط كانت كفيلة لأتعرف على من يسكن رأسي كل هذه المدة. فقد توقفت عن الكتابة منذ عدة أشهر، وتوقفت حتى عن القراءة.

بعيدا عن كل ذلك، لازلت أشعر بالحزن الشديد، على الرغم من أنني أصبحت متقبلة لوجود هذه المشاعر. إنها تأتي وترحل.. تأتي وترحل.. تأتي وترحل.. وهكذا. نعم.. ترحل وتأتي. إنه سلمٌّ حلزوني حقا. مثل لعبة الجبل الروسي..؟

لابأس.. لاعليك.


حسنا، كنت أتحدث عن العنكبوت.. أتسائل.. ماشكل العنكبوت؟ فمنذ مدة قصيرة اشتريت كتابا يتحدث عن العناكب، بدت العناكب في الكتاب حقيقية. لم أفتحه حتى الآن. ربما سأختار شكل العنكبوت الذي يسكنني منه.
29-10-2022
12:39 ص


لازالت قدرتي الابداعية على كتابة “عناوين” سيئة للغاية.

قطعة من جدار متصدّع

By: Anna Heimkreiter

أقسّم اليوم إلى أربع
صباح، مساء، مساء، ثم ليل.
في الصباح أعمل على إنهاء واجباتي
المساء الأول، أسترخي.
المساء الثاني أنهي النصف الآخر من واجباتي.
ثم يحل الليل.


الليل..

لقد مر وقت طويل.
لم أستطع عقد صفقة معه.
الليل يأتي بغيمة
تصبّ على قلبي
وتنفث غبارها في عيناي
حتى لا أرى شيئا.

قبل إغلاق الباب،
أعد الحاضرين..
ثمة قطعة ناقصة.


أكفّ عن العد.


لكن ضوءا ما يخرج من مكانها الفارغ.
أقف مجددا وأعدّ
حتّى يتكوّر لساني لأتوقف.

ثم أعيد سؤال نفسي
لما لم تُنهي كلماتك حتى الآن؟

أنهيتِ الواجبات؟ ولكن ماذا عن الكلمات؟


لما لم تقولي كذا و كذا وكذا.


أهزّ برأسي مثل جذع شجرة نفخته الريح.


أبتلع أعينهم
وأحاول إبعاد أصابعهم التي تخدش الجدار.


قليل من الدماء المنسكبة على الأرض
لا بأس، أعيد مسحها من جديد.
ثم أضع ضمادة..
وأجبر قطعة منكسرة
وأخيط جهةً مُنسلّة
ممم، يستمر الأمر لعدة أيام ربما.. أو أسبوع..


اليوم عددتها..

وأكتشفت أنه أسبوع.

يجب أن أتوقف عن العد.


ياللحزن،
أقول.. “نحن نمضي بالتخلّي”
ثم أجد أحدهم متعلقا في كتفي يأبى ذلك.
ثورة صغيرة تُقام من خلفك أثناء الرحيل.
كيف؟ كيف؟ لماذا؟
ومن سمح لك؟
ألم يكن للقبلة الخالدة أي تأثير؟.

إستحضار ذكريات عائمة من نهر الليثون “قصة قصيرة جدا”

Artist unknown.

لقد مر وقت طويل منذ أن سمع أحدهم عن جريان نهر الليثون الذي يتوسّط المدينة الهادئة، تسري الأحاديث من أسفل الممرات والطرق، تقول: لقد كان الجميع يذهب للنهر ليغسل وجهه لينسى.. ثم ينسى لما آتى للنهر، يغمر وجهه ويطفو.

كلما جاء أحدهم لضفة النهر يبكي، يرى تلك الكُتل المنتفخة الطافية على سطحه، يقرر أن يبلغ الشرطة بذلك، لكنّه يغسل وجهه أولا. ثم ينسى، ويعيد الكرة مرة ثانية لعدة دقائق حتى يتكوّر ويطفو على سطحه.

تغذّى النهر بالجثث الطافية المنسيّة لسنين عدة. حتّى فاحت الروائح العفنة. وتقرر تجفيف النهر، لأن الحملات التوعوية والإرشادات والمطويات التي وُزعت للإبتعاد عنه، لم تأخذ بعين الإعتبار. فقد كان الجميع – أقصد معظمهم- لديهم رغبة شديدة للنسيان والبدء من جديد.

وكانت بداياتهم تطفو على سطح النهر، ببطون منتفخة، وعيون جاحظة، ولون أزرق قاتم يغطّي وجوههم وأصابع أيديهم. فلم يكن بالإمكان التعرف عليهم وهم بهذه الحالة.

جُفف النهر، ولكنّ التربة مازالت رطبة.. وبرك من الماء تمتلىء يوما بعد يوم. وعيون صغيرة تظهر بشكل متقطّع على طول النهر حتى يومنا هذا.

موسيقى: مِثلَ زهور البرّيَة، ألهمتني وساعدتني لإستكمال القصة. وعلى الرغم من شعوري الدائم بالنقص إتجاه القصص القصيرة التي أكتبها، لكنني أتركها تسري كما هي. تكتب نفسها بنفسها، مستمتعة بالنهايات الغير مفهومة، النهايات المفتوحة.. والتي بسببها – أحيانا – أشعر بتكّون كرة من الزغب داخل رئتاي، ناتجة عن الأحاديث الغير منتهية. ربما، أقول لنفسي مهوّنة عليها، سنكتب نهاية يوما.

أرجو قراءة القصة وسماع الموسيقى في ذات الوقت.


https://soundcloud.com/exkhroowkopc/jw7f9iikciyx?ref=clipboard&p=a&c=0&si=362926ea6d2a42da8d4f3cceb118b37e&utm_source=clipboard&utm_medium=text&utm_campaign=social_sharing

حول نهر الليثون: https://www.independentarabia.com/node/43501/%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D9%85%D8%B7%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%AA/%D9%86%D9%87%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%8A%D8%AB%D9%88%D9%86-%D8%A3%D8%B3%D8%B7%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%A8%D9%86%D8%BA%D8%A7%D8%B2%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%A7%D9%85%D8%B6%D8%A9-%D9%82%D8%AF%D8%B3%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%BA%D8%B1%D9%8A%D9%82-%D9%88%D8%AA%D8%BA%D9%86%D9%89-%D8%A8%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D8%A1

جسد بركاني (قصة قصيرة جدا)

Artist unknown.

ما يؤرق العلماء -بعضهم- عدم إيجادهم للبركان الثامن والخمسون على الأرض. فلقد كتب الأولون، في الأوراق القديمة عدد ثمانية وخمسون بركان، مع رسم خريطة تحدد مكان كل واحد منهم، لكنهم لم يضعوا علامة على الأخير.

بحث الجميع، وأرسلوا القوارب بحثا عن البركان الضائع، حتى أنهم أرسلوا الغواصين.. ربما، -فكّر أحدهم -“سنجده في قاع المحيط”.

و بين ليلة وضُحاها.. تناقل الجميع خبر إنفجار بركاني داخل جسد إمرأة.

النهاية في يوم واحد.

Illustraed by: Eleni Debo

أنت متأخر دائما
عن طابور الصباح
وعن العشاء
وعن الحب
آه نعم ياله من أمر محزن
أن تكون متأخرا دائما عن كل شيء.


وبالنظر إليك
يظن الجميع بأنك في أول الصف
لكنك،
لم تصل حتى للوقوف فيه
الطابور..
صف المنتظرين
لايسعني.
ولكن غدًا،
سأكون أكثر حرصًا

سأقف وحيدا،
سأصنع طابورا خاصًا بي.
ولكن متى يأتي الغد؟
وإلى ماذا سيوصلني هذا الطابور؟


النهاية وحدها مع الجميع.


وحيدًا،
أقف.. وحيدًا.
لا صديق، لا حبيب، ولا أب.
وهكذا،
أصنع طابورا لوحدي،
ونهاية لي..
بيدّي،
ألقي كل شيء على الجدار
حتى تتفتّح زهور الربيع.
وينكسر المفتاح.


جداري لوحدي،
وبابي لوحدي،
نهاية لي أنا.. لوحدي.
ولكن،


هذا الباب أيضا لا يسعني.
لايسع لي،
ولا لحزني
ولا لقلبي الذي أحمله خلفي
ولا لحجم رأسي.

بابٌ خاطىء!

مرة أخرى.


إذا.. سأعود من جديد؟


هكذا، دائما
أصل متأخرة.


ولكنّي سأحاول عبثًا..
كما حاول الآخرون، إن وجدو.

فُتات

artist ulla jokisalo

هذا كل ما لديّ
أفتح كيس الخيش
وأخرج ما حملته وجمعته طوال الأسبوع


الخميس..

نهاية الأسبوع.


أولا، أُخرج الغضب

بصعوبة،
أضعه على الطاولة.
حيث صوت يصرخ في الغرفة

ترتفع درجة الحرارة فجأة

يخلع الجميع معاطفهم
يحاولون اسكاته..


لكنّي أقف أمامهم
أتركوه.


ثمّ أخرج الوحدة


منديل
أسود
أفرشه على الطاولة.

يسكن من في الغرفة.


صوت ريح..


ثم أخرج الحزن.

وأخرجه مرة أخرى..

أطلب المساعدة..

لا ينتهي.


آه، الشعور المفاجىء بالحزن.


إنه لا يرحل.

وداعًا ” علي محمد الجعكي “

انتقل إلى جوار ربّه الأعلى “علي محمد الجعكي” في الواحد والعشرين من أغسطس من عام ٢٠٢١.

ولمن لا يعرف من هو “علي محمد الجعكي” فهو أحد قامات القصة القصيرة في ليبيا.. ابن مدينة الخُمس، الذي لايعرفه أحد من حولي.

وجدت أمي كتابه بين مجموعة كتب، أحضرتها لي كطفل يتيم وجد على باب جامع. قالت لي: أمينة، احضرت لك كتب جديدة.. أمينة، هل تقرأي الكتب التي احضرها لك؟.

لم أكن أقرأ الكتب نظرا لإنشغالي، ولكني التقطت “سر ماجرى للجد الكبير” لصغر حجمه وسهولة اخفاءه بين أوراقي الدراسية.. وبدأت قراءته في فترة انشغالي بالدراسة.

عام ٢٠١٧، لازلت أذكر أول ملامح الدهشة التي ارتسمت على وجهي من أول صفحة وأول سطر. وما حفرته قراءتي لحالة تلبس داخل رأسي.

أنا، تحدثت عن حالة تلبّس كثيرًا، وأخبرت الجميع بأنها أفضل قصة على الاطلاق، لكن حقيقة.. ثمة قصّة تسكن ببراحٍ في قلبي، قصةٌ.. ممم أقول عنها بأنها قصة شجاعة.. هذا الكاتب شجاع.. من هو؟ كيف لم أسمع عنه مسبقًا! كم خجلت من نفسي.. ولما أتذكر سيلفيا بلاث في كل مرة أقرأ فيها قصته “الشاطىء الأخر” ؟.

إنه الموت، قصة كاملة عن الموت.. يصور فيها الجعكي مشهد موته أو موت القاص.. لا أعرف تحديدا. ولكنّه مشهد دقيق.. مفصّل، أحاول الهروب منه وعدم التحدث عنه، كلما سألني أحدهم عن قصتي المفضلة في الكتاب.. أو كلما سألت نفسي عن قصتي المفضلة في الكتاب. فلا أحد يسألك عن قصتك المفضلة ل علي محمد الجعكي.

قرأتُ خبر موته صباحًا.. في تعليق على منشور لي على الفيس بوك، أبحث فيه عن مجموعته “أموت كل يوم”. لم أجدها حتى الآن.

“يا لهذا الزمن الرديء المهلك!”

نص من قصّة “الشاطيء الأخر” المشهد الأخير:

” ضوضاء محببة تعم الشاطىء.. ”

رجل شجاع نبيل، وصف حالة الموت بدقة متناهية.. لا ترى الموت في كثير من الكتب.. أقصد مراحل الموت.. أو مايشعر به الميت. مالذي شعر به الكاتب أثناء كتابته للقصة؟.. انه أمر خانق حتمًا.

قرأتُ الكثير من الكتب، لكن لم يمر وصف مراحل لحظات الموت الا عند سيلفيا بلاث “الناقوس الزجاجي” عندما دونت لحظات انتحار البطلة. والإن، الجعكي.. في الشاطىء الأخر. كان يعرف بأن لقاءه مع جدته يعني موته.. لكنّه فضّل ذكر ذلك بتفاصيل دقيقة.

يا له من رجل شجاع. لم يهرب من الموت.

رحم الله علي محمد الجعكي رحمة واسعة، وجزاه الله خيرًا عن كل حرف كتبه وأمتعنا به. وليخلّد أسمه كأحد أفضل القصّاص الليبيين وإن لم يكن أفضلهم جميعا.

قراءة: لا أحد يملك الوقت في بلاد العجائب.

هل من الممكن أن يموت شخص بسبب نقص حاد في الكلمات مثلا؟ أو بسبب الإستخدام المفرط بشكل سيء لها؟ أن يختنق مثلا، أثناء غضبه وصراخه المستمر، أو أن يولد بمخزون محدد لعدد الكلمات المستهلكة.. مثلا. كل هذه أمثلة وفرضيات مقلقة.

آليس في بلاد العجائب:

تمثّل الفضول المباغت في شكل أرنب مرتديا بزة وممسكا ساعة، حرّك الصغيرة التي تتسائل وتفكر بشكل مستمر، إلى أن أسقطها في حفرة.

هُوّة، كانت تسقط أكثر فأكثر.. فأكثر.

لم تُمانع “آليس” سقوطها داخل جُحر الأرنب، بل على العكس، إستمتعت بوقتها ولم تكن على عجلة من أمرها. على عكس بلاد العجائب التي وصلت لها، فالجميع هناك لا يملك الوقت، بل الوقت يملكهم، بالشكل الذي يجعلك تخاف من إنسيابه بين أصاعبك وألا تنتبه له. الأمر مخيف حقا.

أنت الآن في بلاد العجائب، تركض مع الصغيرة، تخاف من المجهول “الوقت” وتبحث عن لا شيء.. لكنّه الفضول.

بدءا من الأرنب الذي كان على إستعجال ليلحق بالموعد مع الدوقة، مرورا بالحيوانات التي إلتقتها في طريقها والتوأم.. وصانع القبعات. أوه، صانع القبعات.. وحتى الملكة.

مشت آليس، حتى وصلت إلى طاولة صانع القبعات بأعجوبة، لا تستغرب هذا، فاليوم كان كله مجرد أعجوبة. كانت الطاولة كبيرة، وتحيط بها كراسي كثيرة، لكنّ ولأن الجالسين عليها لم يكن لديهم الوقت لإستقبال ضيوف جدد، حاولوا إبعاد “آليس” قدر الإمكان عنها، لكنّ الفضول، مُحركها، لم يجعلها تغادر المكان حتى تجلس على الطاولة وتشرب الشاي معهم.

في الحقيقة، حاولت… ولكنّ الفوضى التي تعمّ المكان عكّرت عليها صفو شُرب الشاي.

على الطاولة حلقة مستمرة من شرب الشاي. فالساعة تشير دوما إلى السادسة، موعد شرب الشاي كما قال لها صانع القبعات. مضت آليس في طريقها بعد لقاءها الغريب معهم، لكّن الحفلة إستمرت من خلفها.

ساورهم الفضول قليلا لمعرفة قصة الصغيرة، لكنّ الوقت يملكهم أيضًا، ولم يسعفهم لمعرفة ما وراءها.

يحجز الوقت صانع القبعات، وأرنب مارس الوحشي ومعهم فأرهم الصغير على الطاولة، في حلقة مستمرة طوال الوقت تتضمن تمرير أكواب الشاي والخبز المحمص وبرطمانات المربى، مشيرًا دوما للساعة السادسة.

أيّ عقابٍ هذا؟ أن تجلس مكانك، وترى الجميع يمضون في طريقهم من حولك، وأنت جالس بلا حراك.

لم تَكن الملكة التي مرّت بها آليس نهاية رحلتها تملك الوقت أيضا لمحاكمة شعبها، بل كانت تعاقبهم جميعا بعقاب واحد، “فليقطع رأسه” تقول، من دون حتى أن تلتفت أو تُعيد التفكير مرة ثانية.

إلتقت آليس بالملكة أثناء بحثها عن طريق ليعيدها لما كانت عليه مسبقا، لكن.. من هي آليس حقا؟ لم يُعجب الملكة بحث آليس المتواصل عن طريقها، ولا عن فضولها وأسئلتها المتكررة، عرضتها على المحكمة لأول مرة، لكنّ الملكة كانت ترى في ذلك إضاعة للوقت

“فليقطع رأسها”، أيضا.. بكل سهولة.

سقطت آليس في جحر الأرنب الذي تمثل في شكل كرة بيضاء من الفضول.. ونحن الآن ساقطون داخل جُحر الأرنب. ومتواجدون كما آليس في بلاد العجائب، لكننا ظللنا الطريق. أو لم نستيقظ من دهشتنا حتى الآن.

وبالنظر إلى قصة آليس في بلاد العجائب الآن، وبعد مضي عدة أعوام، فإن البعض لازال يظن بأن آليس هي قصة الصغار فقط، لكنها قصتنا جميعًا إنها نحن .. ولكل منّا بلاد العجائب الخاصة به. إنها مجنونة، ومُلهمة وحزينة.
” لا أستطيع العودة إلى البارحة، فقد كنت شخصًا مختلفًا وقتها. “

وفي سقوطنا المختلف أشكاله عبرة.

“عِبرة..” كلمة مبتذلة، لا أملك مرادفها حتى الآن.. بداية نقص حاد في الكلمات.

//

موسيقى: كل الوداعات ليست مفاجئة:


https://soundcloud.app.goo.gl/KVpoe