ماريا مانويلا: العروس المضيئة. (قصة قصيرة)

Illustrated by me.
————————————————————
عندما ولدت ماريا مانويلا في عمق المحيط، صرخت لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر. إلى أن أحضر والدها عرافة المحيطات لإسكاتها.. أخبرتهم بأن الصغيرة تبكي، باحثة عن الضوء.
غاب الضوء عن قاع المحيط منذ ٣٥٠ عاما مضت. لم يعد، خفت تدريجيا إلى أن إختفى تماما.
أخبرتهم بأن الصغيرة ستكبر، وستحضر الضوء إلى هنا بكلتا يديها. ولكن أولا يجب أن تُشعل لها الأضواء لتفتح عيناها.
جمع سكان المدينة الفتائل في السوق، وأشعلوها للصغيرة.. تلك الفتائل ضعيفة، ما إن تضيء، حتى تخفت وتنطفئ بسرعة. سهر أهل المدينة على إشعالها للصغيرة حتى تكبر بسلام، وصلّت العجائز لحفظ الفتاة وأن تكبر بسرعة حتى تحضر لهم الضوء من جديد.
بعد عام وثمانية أشهر، أصبحت ماريا مانويلا جاهزة للذهاب للسطح لتحضر الضوء من جديد. جمعت ماتبقى لها من فتائل في حقيبتها الصغيرة، رافقتها الأسماك المضيئة، وودعتها العجائز وأهل المدينة بالأغاني والتهاليل.

ماريا مانويلا الصغيرة كبرت
ماريا مانويلا أصبحت لديها زعانف
ماريا مانويلا حورية جميلة
ماريا مانويلا العروس المضيئة
ماريا مانويلا ستحضر لنا الضوء
ماريا مانويلا ماريا مانويلا
لن تحتاجي للفتائل من جديد
ماريا مانويلا ماريا مانويلا

كانت ماريا مانويلا كلما صعدت للسطح، تخلصت من الفتائل.. واحدة تلو الآخرى.
“لا أحتاجها” تقول لنفسها كلما صعدت، وشعرت بالضوء يقترب شيئا فشيئا.
أمضت ماريا ٣ أشهر في الصعود إلى السطح، أخرجت رأسها الفتيّ وتنفست الهواء.. رأت أشياء غريبة، وألوانا غريبة، وضوءا ساطعا، حارقا يتوسط السقف الأزرق من فوقها.
إندهشت ماريا مما رأته في تلك اللحظات الذهبية، وأرغمت نفسها رغم تعبها على السباحة إلى صخرة كبيرة تتوسط المياه الزرقاء. صعدتها وبقيت منذهلة مما رأته.
ماهذا يا إلهي؟. ألوان ألوان وأشياء زاهية، والكثير من اللون الأزرق.
تطلعت إلى السقف الأزرق من فوقها وفكرت، كيف يمكنها أن تنزل تلك البلورة المشعة إلى أسفل المحيط؟ كيف ستتسع هذه البلورة الكبيرة لحقيبتها الصغيرة؟.
جلست ماريا تستريح فوق الصخرة وتفكر. كانت تفكر كثيرا حتى أن لون شعرها كان يتغير كلما بدأت في التفكير.. لينتبه لذلك أحد أفراد عائلتها ويوقفها عن فعل ذلك. أما الآن وهي وحيدة، من سيوقظها من نوبات التفكير والهلع؟.
تحدثت مع طيور النورس التي حلقت فوق رأسها كثيرا، وأخبرتهم عما كانت تريد فعله، لكن الطيور كانت أكثر واقعية من أحلام سكّان المحيط وماريا. “لا يمكنك فعل ذلك”.. بكل بساطة.
لكنها عملت جاهدة، وأحضرت الكثير من العصيّ العائمة على سطح المياه، أحضرت أكياس بلاستيكية بالية، وقادت شباك الصيادين الضائعة بحذر لصخرتها.. أمسكت بعضا من الكراسي الخشبية والبلاستيكية.. وهكذا بقيت ماريا مانويلا تجمع كلما يمر بجانب صخرتها لمدة عام بالتمام لتنهي سلما يمكِّنُها من التسلق للسقف العالي. كانت كلما شعرت بأنها أتمت الأمر، تسلقت السلم ووجدته لم يكتمل بعد. كانت الطيور تمر بجانبها في حالة هلع مما تفعله، لم يصدق أحد بأنه يمكن لفتاة مثل ماريا، بزعانف صغيرة، أن تنزع البلورة الحارة المضيئة من مكانها وتنزلها الى الأسفل.
مضى عامان، ثلاثة أعوام.. وماريا تتسلق السلم، وتزيد. تتسلق وتزيد ماتلقفه يداها إلى أن وصلت.
في عيني ماريا جوهرتان باللون الأزرق، أخبرتها العرافة بأنها عندما تقوم بإغماض عينيها والعد إلى الرقم التاسع وتفتحهما سيخرج منهما عاصفة ثلجية تجمّد كل ماتراه أمامها. ما إن تحسست ماريا مانويلا حرارة البلورة الساطعة من فوقها، حتى بدأت بالعد..
واحد
إثنان
ثلاث
أربع
خمس
ست
سبع
ثمان
تسع
أغمضت عينيها
وفتحتهما مباشرة.
تجمدت طيور النورس، تجمدت البلورة الحارة المضيئة، وكل ما يحيط بها في السقف العالي. أنزلت ماريا مانويلا البلورة ووضعتها في حقيبتها، كانت كلما نزلت شعرت بالماء يتساقط من الحقيبة على هيئة نقاط تتبخر في منصف الطريق. كلما نزلت أحست بالحرارة. أسرعت. وتركت كل شيء وراءها. عادت إلى المحيط، غاصت.. أشعلت ماتبقى لها من فتائل لتنهي بها الطريق.
لكنها تفاجاءت بأن ضوءا لمع من حقيبتها الصغيرة، بدأ الضوء يلمع شيئا فشيئا، أخرجته ولمسته.. لم تشعر بشيء. آنار لها الضوء الطريق كلما غاصت.. كانت تغوص أكثر فأكثر والضوء يزداد حتى أنها أغمضت عينيها قليلا من شدته.. لكن الحرارة كانت شديدة بعض الشيء.
اقتربت من المدينة، فرح الجميع.. ركض الجميع بإتجاها لكنهم عادوا خطوة إلى الوراء ما ان رأووا ماتحمله الفتاة بين يديها. حتى والديها عندما ذهبا بإتجاهها عادا لمكانهما الأول.. وقفت ماريا مانويلا مندهشة لما يحدث. لما تركها الجميع، لما ابتعد الجميع عنها؟. هل كان الضوء ساطعا أكثر مما ينبغي، هل كانت الحرارة شديدة جدا.
إرتاب الجميع، وذعروا لما رأوه. مالذي فعلته يا ماريا مانويلا؟؟ مالذي تركته لهم في السطح؟؟.

“لقد أظلمتِ العالم بحثا عن الضوء” صرخ الجميع بذعر في وجهها، حتى أنها إرتعبت وأسقطت البلورة من يديها وإنطفئت.. وتحولت إلى حجر أسود.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s