إن الفتاة تكبُر في العمر ويتم إيهامها بأن كل شيء تريده ستجده في بيت الزوجيّة، فتبدأ الفتاة تتخيّل أحلامًا وأوهامًا عن ذلك العشّ الذي أعده لها أهلها مُسبقًا قبل حتّى أن تولد.
فما إن تكبر الفتاة حتى تبدأ متطلباتها تزيد وتكبر، وترى إخوانها يكبرون معها، فتتلهف لحياتهم، وتصبح تحدّث والدتها بما أنها الأقرب لها عن أحلامها وطموحها مستقبلًا، ويكون رد الأم قاسيًا وبنغمة لم تعتدها يوما (عندما تتزوجين). فتفزع الفتاة، ولكنها بعد فترة تعتاد تلك الجملة وتستلطفها.
فكما أن الصبي يحلم بالسفر للدراسة أو السياحة والترفيه عن نفسه، تحلم الفتاة بذلك أيضا. فيكون الرد بكل بساطة (عندما تتزوجين).. وإن كانت تلك الفتاة تعيش في بيئة أميّة جاهلة لاتعرف عن الفتاة إلا أنها جوهرة مصونة تكُون فرص التعليم أيضا حلما بدل أن تكون حقًا من حقوقها.
ثم إن الفتاة إذا ماحالفها الحظ ودرست وتعلمت وتخرجت من الجامعه، ودخلت في عالم الخدمة والعمل، يكون مصير إستمرارها منطوي على يد رجل غريب لاتعرفه. تقول لها الأم (إذا تقدم لك رجل صاحب جاه ومال، ووافق على عملك يجب أن تسعدي بذلك.) فيتم إسكاتها ويجهل المرء منا ماذا سيكون رد الفتاة وبأن مصير عملها ودراستها كلها مقتصرة على كلمة واحدة من رجل غريب لاتعرف عنه شيئا إلا أنه يريد أن يتزوجها.
فكم من فتاة توقفت عن الدراسة، أو العمل ثم عضّت أصابع يدها ندما.. ومنذ مدة أردت أن أقوم بإحصائية عن النساء اللواتي توقفن عن الدراسة أو العمل، وإذا ماكان القرار بين يدي زوجها أو هي ولسوء حظي لم تسنح لي الفرصة للقيام بذلك.
كما أنني لا أعترض أبدا على من تريد ترك عملها أو دراستها في سبيل شخص تحبّه أو حتى للزواج، ولكن يجب أن يتم توجيه تلك الفتاة بالطريقة الصحيحة، وتوعيتها على ماقد ستؤول له الأمور من سوء في المستقبل، وبأنها يجب أن تتحمل المسؤوليّة، وألا تلقي باللوم على أحد، حتّى زوجها.
تبدأ الفتاة إذا لم تصر الحياة كما تريد بشعورها بأنها عالة على أهلها، وما ان تستقل ماديا، حتى يُثقل عليها المجتمع وبأنها الآن أصبحت عالة أيضا لأنها لم تتزوج.
فتنسى الفتاة نفسها، وتصبح لاتفكر إلا في المجتمع، ونظرتها له، إلا إذا كانت واعيه بما فيه الكفاية بأنها أعلى وأسمى من كل مايُقال.
وما إن تتزوّج الواحدة، حتّى ترى بأن ماكانت أمها تعدها به مختلف تماما عن الواقع، وأن الأحلام تبخرت وأصبحت من الماضي. والآن عليها أن تواجه الواقع بنفسها هي الآن وحيدة ولا أحد يعلم مايدور في داخلها من آلام وأحزان. وبأن السفر والبذخ والملابس وكل شيء ماهي إلا أوهام.
الأن تقف الفتاة في وجه الواقع، وتبدأ بإقناع نفسها شيئا فشيئا بأن هذا ماتريده حقا.. وبأن ماكانت تعدها أمها به، سيأتي حتما ولكن يجب أن تصبر.
وتمر السنون فتصدّق حياتها وتحاول ان تنسى.
واقع
الجنس الآخر-سيمون دي بوفوار.

Artwork By : Josephine Cardin
“إن نضال المرأة لم يكن قط إلا نضالًا رمزيا، ولم تفز إلا بما أراد الرجل التنازل عنه. لم تأخذ شيئًا أبدا بل تسلمت ما أعطيَ لها.” –سيمون دي بوفوار.
كتاب الجنس الآخر لـ سيمون دي بوفوار، وهي فيلسوفة وجودية وإن كانت ترفض هذه التسمية، والوجوديون يرون أن للإنسان الحريّة المطلقة في نفسه ولايحق لأي شخص أن يستعبد شخصا أخر مهما كانت الإختلافات والأسباب..
في كتابها تدرس نفسية المرأة وتحللها تحليلًا مفصلا تاما، متسائلة عن سر نشأة التمييز الحاصل بين الذكر والأنثى، دارسة الموضوع من وجهة نظر نفسية وكذلك تاريخيّة طول العصور، وتلاحظ تغيّر وضع المرأة السابق عن الحالي وإن كان لايزال يمارس هذا الظلم بوطأة خفيفة.. أو أن المرأة قد إعتادته حتى أصبح عندها كأسلوب حياة إجتماعي لايمكنها الحياد عنه؟.
الكتاب مؤلف من 319 صفحة، بجزئين: الأول مقدمة عن الموضوع من الناحية النفسية والتاريخيّة والفيزيائية، أما الجزء الثاني فهو يتكون من أربعة أقسام: مراحل تكوين المرأة، أوضاع المرأة-الإجتماعية الإقتصادية… إلخ-، تبريرات للمرأة، وأخيرا نحو تحرر المرأة والذي تطرح فيه بعض الحلول لهذه المشكلة.
ولكن سأسرد أكثر فصل أعجبني وهو تحدثها عن مراحل تكوين المرأة من الطفولة حتى الشيخوخة، حيث تغوص سيمون في أعماق نفسها وإن أختلف معها في عدة نقاط.
فترى دي بوفوار أن مرحلة نشأة الطفولة هي سبب البلاء كله، من الأم والأب –مركزة على الأم تحديدا- وطريقة نظرتهما وتربيتهما لهذه الفتاة وصقلهما لها، حيث أن ماتتربى عليه الفتاة إن لم تكن واعيه بما يحيطها سيؤدي بها حتما للهلاك النفسي أولا ثم المجتمعي وإن لم تلحظ هذا، وستسصبح خانعه لكل ماتؤمر به، ستهرب من حريتها وتحول نفسها لغرض أو متاع، ستصبح ضائعة وفريسة لإرادة الأخرين، وغير قادرة على تأكيد ذاتها في مجتمعها الصغير/الكبير.
“لقد تقرر مصيرها! فتصبح زوجة، أما وجدة وستشرف على العناية ببيتها وبأطفالها وكما تفعل أمها تماما أنها لم تتجاوز بعد الثانية عشرة من عمرها ومع ذلك فإن تاريخها مكتوب في السماء بحروف من نار وعلى مر الأيام ستكتشف مستقبلها السلبي دون أن تُساهم في بنائه وأنها لتشعر بالفضول الممزوج بالخوف حين تفكر بالحياة التي حددت طبيعتها منذ الآن والتي تنقادُ نحوها إنقيادًا أعمى في كل لحظة تعيشُ فيها“.”
ثمّ تطرقت إلى مرحلة المراهقة والتي يتم تحديد فيها مصير الفتاة رسميًا:
“إنّه لوضعٌ مؤلم أن تشعر الفتاة بسلبيتها وتبعيتها في سن الأمل والطموح. في السن التي تتفتح خلالها إرادة الحياة لدى الإنسان ليبني نفسه مكانا على سطح الأرض. ففي هذه المرحلة من العمر تتعلم أن النصر محرم عليها وأنّه يجب عليها أن تتخلى عن شخصيتها المستقلة “التي عاشتها أثناء الطفولة” وأن مستقبلها يتوقف على إرادة ومشيئة الرجال.”.
“كثيرًا ماتعتري الناس الدهشة أمام السهولة التي تتخلى فيها الفتاة عن الموسيقى والدراسة والمهنة إذا وجدت زوجا مناسبا لها، الأمر الذي يدل على أنها لاتعلق أيّة أهمية على هذه المجالات الفكريّة فلاتشعر بأية خسارة في حالة تخليها عنها.”.
ثمّ تتحدث عن مرحلة الزواج “المرأة المتزوجة” وهي المرحلة التي أختلف فيها معها كثيرا..
سيمون تنظر للزواج كمؤسسة إستعبادية مالم يتحقق من المساواة شيء طوال الفترة التي يمضيانها مع بعض، وتنظر للرجل كأنه حيوان لاينظر للمرأة إلا كمتاع جنسي فقط..
“الزواج هو المصير التقليدي الذي يخصصه المجتمع للمرأة، وأغلب النساء حتى يومنا هذا إما متزوجات أو يعددن أنفسهن للزواج أو يتألمن لعدم تزوجهن” ثمّ تبدأ بتحليل الزواج من منظورها الضيّق المتعصب إن صح التعبير.
في هذه المرحلة تتحدث عن الأمومة.. إنه الإستعداد الطبيعي للمرأة حيث لاتكتمل أنوثتها إلا إذا أنجبت طفلا..
حيث تؤكد على التأثير الكبير الذي تتركه الأم في إبنتها من تأثير سلبي أحيانا في نفسها، فلا تعزز ثقتها بل تحاول هدمها بشتى الطرق.
بوفوار تدعم الإجهاض وأن للمرأة الحق بالتصرف في جسدها ومحتواه الإحتفاظ به أو التخلص منه.
كما أنها ترى أن الدين أيضا أحد أسباب الظلم.. ماعلينا منها.
الجزء المهم والأخير هو تحدثها عن مرحلة الشيخوخة لدى المرأة وكيف تبني أحلامها وطموحها في أولادها والصراع الذي يتبع كل هذا مع زوجة إبنها/ هذي حقيقه ولايمكن إنكارها ولازال هذا الصراع مستمر وسيستمر لأبد الأبدين ونراه كل يوم في مجتمعاتنا، المرأة تنسى نفسها وتبنيها في أحد أبناءها إن لم تجد في زوجها المراد…
*
أخيرا إقتباسات أعجبتني:
“إننا نحبس المرأة في المطبخ أو في المخدع وبعد ذلك نندهش إذ نرى أفقها محدود، ونقص جناحيها ثم نشكو من أنها لاتعرف التحليق.”
“”يجب أن يؤسس الحب الصحيح على الإعتراف المشترك بوجود حريتين دون أن يتخلّى أي من المحبين عن نزوعه إلى الإرتقاء
“مرة أخرى نعود للقول بأن ضعف المرأة لايعود إلى أسباب فطرية في طبيعتها، وإنما حالتها العامة التي يفرضها عليها المجتمع منذ حداثتها حتى أواخر أيامها.”
*
نُشرت على موقع سلفيوم
هلوسات خلال إنقطاع التيار الكهربي .
( كل شيء هُنا في بنغازي يثير الغثيان ، الشوارع ، الغاز ، الهواء ، طوابير الخبزة ، الأمل ، الخوف ، الموت ، التفجير ، علبة العصير الفارغة ، الممرات الضيقة ، إشارات المرور ، الأطفال الذين يتجمعون صباحا لللعب بدلا من الذهاب إلى المدرسة ، إنتظار اللحظات الحاسمة ، سقوط الصواريخ ، اللامبالاة إتجاه الرصاصات الطائشة ، العمر الذي يركض أمامنا و لا نستطيع اللحاق به .
كل شيء أصبح مُبهما ، الناس صرعى يواجهون الحياة مغمضي الأعيُن .
إننا في بنغازي ، كذلك السجين الذي يرى من ثقب الجدار الناس يلهون و يلعبون ، و هو يصرخُ للنجدة ، يصرخُ و يصرخ ، بأعلى صوته ، لكنّهم لا يسمعون . لا يأبهون ، و هو مسكينٌ يتخبّط بين الجدران .
أهي لعنةٌ إذًا أن تكون من هذه المدينة ؟
أصبحت هذه المدينة ، منكوبة ، و هي من كانت تفتح ذراعيها المملوءة بالزهور لإحتضان الغرباء وتنسُبهم لها ، و تبكي معهم . هذه المدينة أصبحت تلفظ من كانت تظنهم أبنائها للخارج ، تودعهم بدموعٍ حارّة ، ترثي نفسها ، و أرضها ، شوارعها و كل زاوية منها ، تحدّث نفسها ” أحببتكُم أكثر مما ينبغي ، و أحببتُوني أقلّ مما أستحق ” ، بنغازي أصبحت ضيقة ، ضيقةٌ حدّ الإختناق . ! )✺
–
هذه الكلمَات و العياذ بالله ، كُتبت في لحظات من إنقطاع التيار الكهربائي ، في أجواء باردة جدا ، و الكره الذي يملأ بعض الأسطر ماهو إلا حُبٌ ولكن بطريقة ما خاصة .
هلوسات أمام الفرنيلّو
في الآونة الأخيرة ، و في المرحلة التقشفيّة للغاز ، التي تمر بها مدينتنا الحبيبة بنغازي ، أصحبت الحياة صعبة جدا ، صحيح أن الآلات الكهربائية كثرت بشكل عجيب و رهيب ، لكن الغاز هو الغاز ، يسوى الآلات الكهربائية كلهن . #ياعلم .
مع الحفاظ و الإقتصاد بمبمة الغاز التي نمتلكها ، و صدور القرارات الجديدة من وزاة الداخلية ، تغير نظام المعيشة :
فرمان فرمان فرمانٌ عاجل ، على الجميع الأخذ بعين الإعتبار الثاقبة ، أن هذه القرارات ستمشي على الجميع ، إلى أن تتحطّم أضلاعهم ، و نسمع تآوهاتهم . و بهذا فقد تم تعديل المادة رقم (54) التي تنص على طريقة إستخدام الغاز .
إلى :
يمنع إستخدام الغاز ، و إستبداله بما يتوفر لدينا في المنزل من أدوات كهربائية ، بين سخان كهربائي ، فرنيلو ، و الطباخة العجيبة ، وهو أحدث إصدار للطناجر ، جهاز الخبز المحمص ، و آلة البيتزا .
و سيتم ضبط أي شخص يحاول إشعال الغاز و إحالته للمحكمة العليا . و سيتم غلق البمبمة للأمان .
المادة رقم ( 122 ) يستخدم الغاز فقط في حالة إطفاء الكهرباء ، و بإقتصاد تام .
بكل آسى و حزنٍ تام ، تم تنكيس الغطاء الزجاجي للغاز . إنّا لله و إنّا إليه راجعون .
ومنذ ذلك اليوم ، تغيّر مجرى الحياة إنحرف عن الطريق السائرة نحو الخير ، ففي الأيام الأولى إكتشفت أن بين بكرج القهوة على الفرنيلو و تسخين الميّة في السخان ، يضيع عمر إنسان .
لكن ماذا عن الذين لا يملكون سخّان ميّة .
وجدت ورقة لإحدى الهياكل العظمية في إحدى الشقق ، التي توجد في إحدى الشوارع مكتوبٌ فيها الآتي .
/
عندما فوجئنا بفراغ البمبمة ، أخرجنا الفرنيلو ، و لأنني ذكيّة و أخشى على وقتي من الضياع ، وضعت بكرج القهوة على الفرنيلو و توجهت لأصلي ، حتى اذا ما عدت سأجد القهوة نضجت ، لكنني عندما عدت أصبت بخيبة العمر و إكتشفت أنني لم أُدر زر تشغيل الفرنيلو . و يبدو لي أنني سأقف منتظرة للأبد .
/
و بهذه المأساه أسكب قهوتي في الكوب ، و أخذ كعك من السلّة ، أضعه في جيب بنطالي ، و أتوجه لتشغيل التلفاز ، و أتفاجأ بإطفاء نور الكهرباء .