
Artwork By : Josephine Cardin
“إن نضال المرأة لم يكن قط إلا نضالًا رمزيا، ولم تفز إلا بما أراد الرجل التنازل عنه. لم تأخذ شيئًا أبدا بل تسلمت ما أعطيَ لها.” –سيمون دي بوفوار.
كتاب الجنس الآخر لـ سيمون دي بوفوار، وهي فيلسوفة وجودية وإن كانت ترفض هذه التسمية، والوجوديون يرون أن للإنسان الحريّة المطلقة في نفسه ولايحق لأي شخص أن يستعبد شخصا أخر مهما كانت الإختلافات والأسباب..
في كتابها تدرس نفسية المرأة وتحللها تحليلًا مفصلا تاما، متسائلة عن سر نشأة التمييز الحاصل بين الذكر والأنثى، دارسة الموضوع من وجهة نظر نفسية وكذلك تاريخيّة طول العصور، وتلاحظ تغيّر وضع المرأة السابق عن الحالي وإن كان لايزال يمارس هذا الظلم بوطأة خفيفة.. أو أن المرأة قد إعتادته حتى أصبح عندها كأسلوب حياة إجتماعي لايمكنها الحياد عنه؟.
الكتاب مؤلف من 319 صفحة، بجزئين: الأول مقدمة عن الموضوع من الناحية النفسية والتاريخيّة والفيزيائية، أما الجزء الثاني فهو يتكون من أربعة أقسام: مراحل تكوين المرأة، أوضاع المرأة-الإجتماعية الإقتصادية… إلخ-، تبريرات للمرأة، وأخيرا نحو تحرر المرأة والذي تطرح فيه بعض الحلول لهذه المشكلة.
ولكن سأسرد أكثر فصل أعجبني وهو تحدثها عن مراحل تكوين المرأة من الطفولة حتى الشيخوخة، حيث تغوص سيمون في أعماق نفسها وإن أختلف معها في عدة نقاط.
فترى دي بوفوار أن مرحلة نشأة الطفولة هي سبب البلاء كله، من الأم والأب –مركزة على الأم تحديدا- وطريقة نظرتهما وتربيتهما لهذه الفتاة وصقلهما لها، حيث أن ماتتربى عليه الفتاة إن لم تكن واعيه بما يحيطها سيؤدي بها حتما للهلاك النفسي أولا ثم المجتمعي وإن لم تلحظ هذا، وستسصبح خانعه لكل ماتؤمر به، ستهرب من حريتها وتحول نفسها لغرض أو متاع، ستصبح ضائعة وفريسة لإرادة الأخرين، وغير قادرة على تأكيد ذاتها في مجتمعها الصغير/الكبير.
“لقد تقرر مصيرها! فتصبح زوجة، أما وجدة وستشرف على العناية ببيتها وبأطفالها وكما تفعل أمها تماما أنها لم تتجاوز بعد الثانية عشرة من عمرها ومع ذلك فإن تاريخها مكتوب في السماء بحروف من نار وعلى مر الأيام ستكتشف مستقبلها السلبي دون أن تُساهم في بنائه وأنها لتشعر بالفضول الممزوج بالخوف حين تفكر بالحياة التي حددت طبيعتها منذ الآن والتي تنقادُ نحوها إنقيادًا أعمى في كل لحظة تعيشُ فيها“.”
ثمّ تطرقت إلى مرحلة المراهقة والتي يتم تحديد فيها مصير الفتاة رسميًا:
“إنّه لوضعٌ مؤلم أن تشعر الفتاة بسلبيتها وتبعيتها في سن الأمل والطموح. في السن التي تتفتح خلالها إرادة الحياة لدى الإنسان ليبني نفسه مكانا على سطح الأرض. ففي هذه المرحلة من العمر تتعلم أن النصر محرم عليها وأنّه يجب عليها أن تتخلى عن شخصيتها المستقلة “التي عاشتها أثناء الطفولة” وأن مستقبلها يتوقف على إرادة ومشيئة الرجال.”.
“كثيرًا ماتعتري الناس الدهشة أمام السهولة التي تتخلى فيها الفتاة عن الموسيقى والدراسة والمهنة إذا وجدت زوجا مناسبا لها، الأمر الذي يدل على أنها لاتعلق أيّة أهمية على هذه المجالات الفكريّة فلاتشعر بأية خسارة في حالة تخليها عنها.”.
ثمّ تتحدث عن مرحلة الزواج “المرأة المتزوجة” وهي المرحلة التي أختلف فيها معها كثيرا..
سيمون تنظر للزواج كمؤسسة إستعبادية مالم يتحقق من المساواة شيء طوال الفترة التي يمضيانها مع بعض، وتنظر للرجل كأنه حيوان لاينظر للمرأة إلا كمتاع جنسي فقط..
“الزواج هو المصير التقليدي الذي يخصصه المجتمع للمرأة، وأغلب النساء حتى يومنا هذا إما متزوجات أو يعددن أنفسهن للزواج أو يتألمن لعدم تزوجهن” ثمّ تبدأ بتحليل الزواج من منظورها الضيّق المتعصب إن صح التعبير.
في هذه المرحلة تتحدث عن الأمومة.. إنه الإستعداد الطبيعي للمرأة حيث لاتكتمل أنوثتها إلا إذا أنجبت طفلا..
حيث تؤكد على التأثير الكبير الذي تتركه الأم في إبنتها من تأثير سلبي أحيانا في نفسها، فلا تعزز ثقتها بل تحاول هدمها بشتى الطرق.
بوفوار تدعم الإجهاض وأن للمرأة الحق بالتصرف في جسدها ومحتواه الإحتفاظ به أو التخلص منه.
كما أنها ترى أن الدين أيضا أحد أسباب الظلم.. ماعلينا منها.
الجزء المهم والأخير هو تحدثها عن مرحلة الشيخوخة لدى المرأة وكيف تبني أحلامها وطموحها في أولادها والصراع الذي يتبع كل هذا مع زوجة إبنها/ هذي حقيقه ولايمكن إنكارها ولازال هذا الصراع مستمر وسيستمر لأبد الأبدين ونراه كل يوم في مجتمعاتنا، المرأة تنسى نفسها وتبنيها في أحد أبناءها إن لم تجد في زوجها المراد…
*
أخيرا إقتباسات أعجبتني:
“إننا نحبس المرأة في المطبخ أو في المخدع وبعد ذلك نندهش إذ نرى أفقها محدود، ونقص جناحيها ثم نشكو من أنها لاتعرف التحليق.”
“”يجب أن يؤسس الحب الصحيح على الإعتراف المشترك بوجود حريتين دون أن يتخلّى أي من المحبين عن نزوعه إلى الإرتقاء
“مرة أخرى نعود للقول بأن ضعف المرأة لايعود إلى أسباب فطرية في طبيعتها، وإنما حالتها العامة التي يفرضها عليها المجتمع منذ حداثتها حتى أواخر أيامها.”
*
نُشرت على موقع سلفيوم