عزاءات القمر “قصة قصيرة جدا”

مستلقية على الدرج، تُخبّط جناحيها كمن يطلب المساعدة. عروس يغطي رأسها الصغير جدا، ريش رمادي اللون، بدت كأنها تمتم كلاما، لكنّي حتى الآن لا أفهم لغة الفراشات. تقلب وجهها ذات اليمين وذات الشمال.. حتى سكن جسدها الصغير، وهمدت. ضمّت جناحيها بحزن، غطّت بطنها وأرجلها الصغيرة.. كفّنت نفسها بنفسها، وأغمضت عينيها. مرّ النهار بهدوء تام. يغطي جناحيها وبر، ناعمة الملمس.. أردت إيقاضها… و بحذر شديد، مسدت رأسها، ومددت أصابعي على جناحيها الصغيرين.. فاجأتني ديدان سوداء اللون صغيرة جدا، خرجت من تحتها.. فرحة بما آتاها من أكلها، في إشارة منها بأن: هذا لنا وليس لك!

فزعت، وإصفرّت ملامح وجهي، وتقيأت في السلة الملقاة بجانب الحمام العمومي. زادتني رائحة السلة العفنة قرفا، كأن أحدا تقيأ قبلي هنا!.

“إذهبي من هنا..” صرخ رجل طويل جدا لا تبدو ملامح وجهه واضحة “مالذي تفعلينه هنا!!” متحركا نحوي، مسحت فمي مسرعة، وإلتقطتها من جناحيها وركضت نحو المنزل.

على طاولة المكتب، وُضِعت كأس شاي صغيرة، لم يُزِلها والدي منذ وفاة أمي، بها بقايا شاي متيبّس في القاع، يتذكر دائما “هل تعرفين! هذه أخر كأس شاي صنعتها لي والدتك قبل سقوطها على الدرج” يعيد ذات القصة ولكن بنهايات مختلفة -أحيانا- لما كانت تحتويه الكأس “لم أسمع لها دوي، لم يسمع أحد من الجيران صوت سقوطها.. أه، والدتك كانت سمينة.. كيف لم يسمع سقوطها أحد.. أه.. ياربي، كانت تصنع الشاهي الأخضر قبل خروجها.. أم كان شاي أحمر… لا أذكر، هل بإمكانك شم الكأس للتأكد أرجوك؟”

أمي..! تذكرت الفراشة في جيبي!..

يقاطعني..

“لا عليك، لقد كان شاي أحمر، أنا متأكد من ذلك.. ذاكرتي جيدة!”.

أخرجتها بحذر من جيبي ووضعتها بداخل الكأس، إنه المكان الوحيد الذي لن يقترب منه أحد.. تكورت عينا والدي وخرجتا من محجريهما لما أقوم به: “مالذي تفعلينه، ماذا وضعتي بداخل الكأس؟؟؟ سكر؟؟؟؟ لقد وضعت والدتك السكر في الشاي الأخضر قبل ذهابها!! لاتقربي الكأس!! مالذي وضعتِه؟؟؟”

أخذت الكأس وأريته ما وضعت “إنها فراشة، سقطت أيضا بهدوء.. لم يسمع دوي صراخها أحد.. كانت ترف أجنحتها على الدرج، حتى إلتقطت أنفاسها الأخيرة..” شعر والدي بالخجل من نفسه “حسنا ضعيها على الطاولة، إنها فراشة عث ليلية.. ما كان عليها الخروج نهارا!.. ستجلب الحشرات لنا!!!”

غطت الشمس في نومها، وأسدل الظلام غطاءه على الشارع الفارغ من عواميد النور. دليل الطريق امتد من نور السماء.. ضمت الفراشات بعضها بعضا.. وإلتقت عند نافذة غرفة المكتب الذي يتوسط منزلنا الصغير. صوت بكاء أفزعني من نومي، شابه صوت بكاء النساء أول ليلة عزاء والدتي، “إنني أهلوس!” أوشكت على أن أوقظ أبي الذي بدا غاطا في نوم عميق، حتى أوقفني في منتصف طريقي صوت غناءٍ حسن:

فراشة عث ليلية

سقطت وماتت

فراشات النهار ضحكت

وفراشات الليل بكت

فراشة عث ليلية

إختلط الأمر عليها

فراشة عث ليلية

كانت تبحث عن النور

فراشة عث ليلية

تكهربت وماتت

فراشة عث ليلية

إحترقت وماتت.

جلست بجانب باب الغرفة، والريح الباردة تنبعث من أسفل الباب، وضوء القمر الأزرق يشع نورا، فهمت تلك الليلة ماتقوله الفراشات اللاتي تجمعن على نافذة المكتب، محولقات حول كأس الشاي. بدا المشهد متكررا.

Artist: Unknown.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s