ترسم الشمس خطوطها على الوجوه العابسة، تنثر دفئها وترطّب شفاههم بقبلة صغيرة، ثمّ تلفّ الغيوم أجسادهم
وتحملهم إلى السّطح.
أولا عليك أن تصعد الدرج.. وأن تتجرأ لفتح الباب الحديديّ الصديء، سيبدو لك صعبا باديء الأمر، ولكن لتتفادى الطرق المغلوطة لفتح الأبواب الصدئة، عليك أولا أن تترك كل شيء من يديك، هذا يعني بأن عليك أن تتخلى عن كل شيء لتستطيع فتحه.
وستوبخك أمك، وتأمرك بالعودة من جديد لأنك ستبرد
وتصاب بالبرد، فهي من سيسهر عليك ليلًا.. كما تسير الأمور. فلا تظن بأنّ شخصا أخر سيقوم برعايتك غيرها، لكنها الآن تعبة.. ولا يمكنها الإعتراف بأنها تريد إعتزال دور الأم المثالية التي رسمتها الكُتب وإعلانات التلفاز والجرائد، و راديو الصباح الذي يتحدث كل يوم عن الفطور الشهي الذي تعدّه الأم كل صباح لأبناءها قبل ذهابهم للعمل.
لكنك تصعد على أيّ حال. و هناك، ستستقبلك الحمامات الرمادية، فليس ثمة من حمامة بيضاء. ثمّ هناك -وعلى حسب المخطوطة التي وُجدت أمام عتبة الباب- في الزاوية سلم حديدي أخر عليك صعوده، وإلتقاط صورة من السطح، ثم العودة للجلوس أرضا، والتطلع في الصورة لمدة عشر دقائق.
التساؤولات الواردة: تساؤل واحد:
كيف لكل هذه الأشياء أن تتشكل وتتغير في لمحة من البصر؟.
كان عليّ أن أصنع يومًا من اللا يوم.. أن أجلس في الخارج، أعني السطح لتحسس الريح قليلا.. ربما تغيرت هي أيضا بفعل الجائحة الجديدة. لكن الرائحة كما هي، رائحة المدينة الأقل عفونة الآن، والأكثر هدوءًا.
أثناء إنتهائي من قراءة المقالة، قلت في سريرة نفسي: تبدو طريقة صناعة يوم صعبة جدا. لم يكتب الكاتب طريقة معينة، ولم يرفق ملف إلكتروني لإتباع الإرشادات.. فقط ذكر في النهاية وبعد بديهيات عدّة “إبتسم، وإصنع يومك داخل أربع جدران بكل سهولة..” ضحكت، الأمر سهل للغاية إذا! الإبتسامة.. أول شيء.. ثم… ماذا بعد ذلك؟؟.. لما توقف عن الكتابة؟ في نهاية الصفحة إعلانات إعلانات ولا علامة لتكملة للمقالة مستقبلا!. ربما نسيَ ذلك.. ربما هو منشغل في صُنع يومه. يشكله مثل عجينة بين يديه.. أوه، ليت الأمر بهذه السهولة.
جلست كما البقية أحسب عدد أيام الحجر… أقصد عدد أيام بقائي في المنزل منذ بدء الحظر، حتى وقتنا الحالي شهر وأسبوع.. قمت بإضافة الأيام التي سبقت الإعلان. لا أذكر بأنني قد أنزعجت من بقائي في المنزل لمدة شهر في رمضان مسبقا؟.
قبل الحظر:
كنت جالسة وحدي على طاولة المجانين الفارغة، التي تقيم بإستمرار حفلة لشرب القهوة، حيث الوقت يشير دائما إلى الخامسة والنصف مساء، موعد شرب القهوة. لا مكان إلا للمتخاصمين مع الوقت. الفارغين. متحركة بإستمرار حول الطاولة، ومن الخارج يمرّ بعضهم، مسلما وذاهبا في طريقه.. بدا الأمر مرعبا إلى أن أعلن الحظر، وجلس الجميع على الطاولة معي. الآن أبتسم.
السابع من إبريل:
تاريخيًا، يرتبط الرقم بذكريات سيئة.. تذكرت الأمر صباحا. بحسب الهاتف فقد نمت سبع ساعات في السابع من إبريل، مع ملاحظة صغيرة: حافظي على مسار نومك المنتظم قدر الإمكان.
وصف الغيوم:
لا يمكنني إلا أن أذكر شيمبورسكا: عليّ أن أسرع أكثر، فبعد هنيهة لن تكون ماهي عليه.
ملاحظة في وصف الغيوم:
تشكلت أولا ككتل منفصلة عن بعضها البعض كأن خصامًا دار بينها. وبين إلتفاتة وأخرى عادت إلتصقت ببعضها، مشكلّة كتلة قطنية كبيرة، تغطي السقف. الغيوم تتراقص، أحيانا تقترب، وأحيانا تبتعد.. وأحيانا تمتد مشكلّة سُحب رقيقة جدا، إستأذنتها الشمس لتكوين فوهة في المنتصف للسماح بأشعتها بالدخول. الآن، جزء منها رمادي والأخر أصفر. إنها تُمطر.

أثناء العودة: لتغلق الباب عليك أيضا أن تعود من حيثما جئت، من نفس الطريق، أن تنزل من السلم الحديدي، وأن تغلق الباب بكل ماتملك من قوة، ستفكر في أخذ ماتركته أمام الباب أثناء دخولك أول مرة، لكنك ستتركه ورائك، و تنزل من الدرج، ستسألك والدتك إذا ماشعرت بالبرد في الخارج، لكنك ستنكر ذلك وقد تطلب لمس يديك للتحقق، وربما قد تنجو من ذلك. لكنك في النهاية، ستعود لسريرك متكورا حول نفسك من دون تساؤولات.. لأول مرة، هدوء المدينة يملأ رأسك بالسكينة، ويجعلك تكتب.. من دون تأفف، ولا تأملات في كيفية العيش في الريف والإعتزال فترة عن العالم من أجل الكتابة، وإنهاء نصوص معلقة.