
Illustrated by: Jane Massey
.
غطّى الفطر مساحات كبيرة في الحديقة. بيوت صغيرة جدا، موزعة في كل مكان. إن فصل الخريف، وعلى الرغم من قساوته إلا أنه موسم الإحتفالات.. تستقطب الجنيات الأطفال للإحتفالات، ولأخذ قطع الحلوى منهم، وكل مايلمع.
في ذلك اليوم أيضا، تحصلت ريتا على حذاءها الأحمر بعد بلوغها سن السادسة. إشترت لها والدتها الحذاء لتذهب به إلى المدرسة. كان الحذاء أحمر براق اللون، سُحرت ريتا بما رأته داخل الصندوق. دائرتان صغيرتان، مصنوعتان من الجلد ذو رائحة نفاثة، والملمس الناعم.. تُملس يديها على سطح الحذاء مبتسمة، مندهشة بما إحتواه ذلك الصندوق الكبير.
لم تجرب ريتا الحذاء، بل ركضت بالصندوق ودخلت غرفتها ووضعته بجانب سريرها. جهزت نفسها للنوم مبكرا، وتجهزت ليوم الغد.
ما إن إستيقظت، حتى فتحت الصندوق أولا.. إطمأنت على حذاءها، ومضت تكمل ما تبقى لها من مهام.
بعد الإفطار، تجهزت.. وشعرت بالحماس الشديد لتجريب الحذاء لأول مرة. صوت صدر من الحذاء ما إن أدخلت قدمها الأولى، ثمّ صوت أخر صدر من قدمها الثانية.. صوت الشريطة اللاصقة، وصوت خطواتها الأولى..
لم تزح ريتا عيناها من الحذاء، منذهلة بما تحمله قدميها، سلطت نظرها إلى الأسفل ولم ترفع رأسها إلا نادرا.. ذهبت وعادت وهي تنظر للأسفل.. حتى ظن الجميع بأنها فتاة خجولة جدا وغريبة الأطوار.
جلست أمام عتبة المنزل، تنظر لحذاءها الذي لم تتوقف فتيات الحي عن مدح لونه وملمسه.
وهي تنظر، سقطت بجانبها ورقة صفراء، بدا لها بأنها من الشجرة المجاورة، ما إن أغمضت عينها وفتحتهما، حتى سقطت أخرى بنية اللون، ثم تلتها أخرى… وأخرى.. حتى أحاطت الصغيرة وريقات ملونة، برتقالية، صفراء، بنية وحمراء.. ما ان وقفت لتجمع الأوراق وتعيدها إلى الشجرة، حتى صدر صوت خشخشة من أسفل قدميها. رفعت حذاءها ووجدت الورقة قد تفتت. أعجبتها اللعبة، بدأت تتحرك وتقفز وتخشخش.. تسحق الأوراق واحدة تلو الآخرى.. لكنها توقفت ما إن وطأت قدمها على ورقة لم تصدر صوتًا. حاولت مرة أخرى لكن لا شيء. عادت إلى مكانها وجلست تنظر الى الحذاء مرة أخرى، وإلى الورقة مرة.. حتى لاحظت مرور حشرة صغيرة، سوداء بثلاث قسمات، وستة أرجل طويلة، “نملة” قالت لنفسها.. جلست النملة على حذاءها ولم تبرح. لم يزعجها تطفلها.. رافقت تلك النملة، نملة أخرى، جلست أيضا تقابل رفيقتها على أنف الحذاء الصغير. لم تتحرك ريتا مخافة إزعاجهما. لكنهما، تحركتا، وذهبتا يختئبان أسفل تلك الورقة الخضراء. ثم ما إن مرت لحظات، حتى جاءت عنكبوتة بيضاء اللون.. رقصت على أغصان الشجرة بجانب المنزل قليلا، وهبطت على الحذاء.. إرتعبت ريتا.. لكن للعنكبوت عينان صغيرتان، تبدوان كجوهرتان مثبتتان في رأس دبّوس صغير. أغمضت عينيها، ثم بعد فتحهما.. إختفى العنكبوت. تاركا وراءه نسيج على آنف الحذاء. لفّته بين أصابعها، ووضعته على الدرج.
وقفت ريتا، وتحركت، مسلطة نظرها على الحذاء، تحركت وراء طابور النمل، الذي بدأ يتوافد من أسفل الورقة، بدا الأمر كأنه مهرجان. تحاول التحرك بجانبه، حتى لا تطأ قدميها عليه، وتقتل أحدهم بالخطأ.. مشت ريتا، من دون أن تنظر للطريق أمامها.. كانت النملات سعيدة بوجودها بجانبهم. تتسلق النملات حذاءها ثم تنزلق، ثم تأتي مجموعة أخرى للتسلق، وتنزلق.. وهكذا. تمشي، ثم تقف وتجلس أحيانا.. تصعد النملات على كتفها وأنفها، وتنزل منزلقة على الأرض. إذا ما أصغت سمعك، حتى سمعت تراتيل وأغاني تُنشد من الأرض. ففرشت الأشجار الأوراق الخريفية فراشا للصغيرة، تبادلت الخبر… “ثمة طفلة بحذاء أحمر دخلت الحديقة” فراش بأوراق ملونة، تخشخش ما ان تطأ قدمك عليها.. فراش مريح، جلب الصغيرة ناعسة من بعيد.. تحرك النمل يحمل الصغيرة على كتفيه، ووضعها على الفراش.. غطّت ريتا في النوم، بدا لها بأنها لم تنم منذ عدة سنوات.. رقصت الجنيات حولها، و رشّت تعويذات المباركة على شعرها، مسحت حذاءها من بقايا الطّين، والعشب. جلست عليه وشربت الشاي.. ثم أمرت النمل بنزع الحذاء الأحمر من قدميّ الطفلة بعناية ودقة.. أخذنه، وتركنها تغط في نوم عميق.