نيسان (١٣)

السابع من إبريل.
أشعر بالحزن الشديد.. قلبي حزين.

١٠ إبريل
عيد ميلادي، شعور غريب.. نحن محكمون بالوقت، بالأرقام. ليست بي أي رغبة بالتقدم في السن. ليست لدّي أي رغبة في مواجهة العالم والمسؤوليات.
كنت جالسة صباحا على المقعد الذي يتوسّط الساحة، أسفل الشجرة وبجانبي شُجيرات صغيرة. ثلاثة عصافير حلقت بجانبي، أحدهم يطير مسرعا.. ربما وجد وليمة. فكّرت، وأنا أنصت لحفيف الأشجار وصوت العصافير.. ماذا لو أختفت العصافير من العالم؟ كيف سيبدو الصباح إذا إستيقظت يوما، ولم أسمع زقزقتها؟ ماذا لو فقدت سمعي؟ و.. لماذا أفكّر بشدة في هذا الأمر؟ لماذا؟..

شيء ما في الموسيقى، يجعل كل خلية في جسمي تغني، أو ترقص ربما. لا أدري.
ماذا لو نطقت زهور الحديقة بعد سماعها لآوبيرا ماريا كلاس.

الثانية صباحا.
الأفكار للكتابة موجودة.. لكنها مبعثرة، تشبه أوراق الخريف. أمضيت الليل في الشرفة، نسمات باردة، وأصوات السيارات التي تعودت سماعها والنّاس. تخفت الأضواء شيئا فشيئا، ماعادا ضوء القمر الذي يتوسّط السماء، محاطا بالغيوم الكثيفة.

عند الليل يتغير لون السماء، والغيوم.. بالنسبة لي، موعد ظهور الغيوم هو الصباح.. أما أنها تظهر في الليل، فهذا يعني بأنها نسيت أن ترحل. وقررت البقاء.

البقاء.. هممم.. البقاء.

كل شيء زائل، ولا شيء باقٍ. لا الناس ولا أشياءك المفضلة. كل شيء قابل للتغيير.
لا أحد يبقى لأحد. هكذا تقرر في إحدى الصباحات، عندما طلبت بضع دنانير.. وصفعتني الحقيقة في وجهي.

لقد ذبلت زهور الحديقة، ولم تبقى إلا زهور الكلانشو، أشعر بالحزن. آه.. لما لا تتحدث النباتات لكي أفهم ماتريده؟!.

كنت سأتخلى عن الإسبانية والإنجليزية وأي لغة وأتعلم لغتها فقط!.

دورة حياة الفراشة:
بيضة
يرقة
شرنقة
فراشة بجناحين

كل شيء يأخذ وقت. في البداية تشعر بالآلم، ثم بعد ذلك لا تشعر بشيء.

١٦ إبريل.

الوقت. ماهو الوقت؟ كل شيء يحتاج إلى الوقت. لما لم يصادفني الوقت في الروايات التي قرأتها حتى الآن؟ ربما يخاف الآديب التحدث عن الوقت؟ ربما لأنه واقف بنصل سيفه على رقبته أثناء الكتابة، والخوف منه، هو ما يجعله يتجاهله على قدر المستطاع.

١٨ من إبريل
كل شيء يبدو هادئا من الخارج. لا تظهر الأرواح الثوريّة على السطح إلا بعد إيقاظها.
تغاظ الروح الثورية، وتنفجر غاضبة.. معربة عن رفضها لما يحدث. ولكن تُقمع. يقمعها صاحبها، أو جسم غريب.

البيانو.
٨٠ مفتاحا. لكل مفتاح صوت.. نغمة. تتمازج مع بعضها أثناء تماوج أصابع العازف عليها، وتخرج للسّامع لحنًا جميل.

أكتب الآن في المساء لأقوم بتنشيط الذاكرة، ولآن ثمّة رغبة هائلة بداخلي للكتابة. لكن.. مالذي يمكن أن أكتب عنه. أفكار سخيفة ومتواضعة.

١٩ إبريل.
أستحضر مشهد دخولي من باب المدرسة الإعدادية، المشي في الممر الطويل للوصول لباب الساحة.. كنت أفكر في موسيقى، أغنية ما! لا يمكنني إستحضارها. أمر سيء. لكنّي لازلت أذكر.

الممرات الطويلة التي لا نهاية لها.

في الصباح، أثناء عودتي من كافتيريا الجامعة وفي طريقي للذهاب إلى الكليّة، أمر من فوق، متجنبة الذهاب من أسفل والمرور بالبشر.
أحيانا أفتقد سماع صوت الريح، وحفحفة الأشجار وزقزقة العصافير، فأختار الطريق المختصر عند البعض، لكنّه طويل بالنسبة لي وحيدة. أمر بجانب شجر النخل الطويل الذي إمتد وتخطّى علوّ الجدار، هناك حيث تتجمّع العصافير معلنة عن شروق شمس الصباح البهيجة، وعن البدء في حفلٍ صاخبٍ يدخل السرور إلى القلب. أمر بجانبهم وأبتسم..
ممسكة بكوب القهوة الخاص بي.. وأبتسم.

تلك اللحظات العابرة، المباركة.. أتمنى أن لا أنساها.

سعدت كثيرا بمشهدٍ لطيف.. الشمس الساقطة من النافذة، دائما تدفئني.

Listen to المعزوفة الأخيرة قبل الاحتراق – اوركسترا نوتردام by Antolgy أنطولوجي #np on #SoundCloud

____________________

رياض الصالح الحسين،
٢٨ عاما
وأربع دواوين
شرعت في الحديث عنك
لكن لم يعرفك أحد من الجالسين
“رياض الصالح الحسين” أقول
“حيث في كل خطوةٍ قمر مكسور”؟

___________________

لم أكتب شيء طوال الأيام الماضية. لكن الآن، حاليا.. تجتاحني رغبة شديدة للكتابة! مالذي سأكتب عنه؟ القلق مرة أخرى؟ الأفكار المشتتة، الكلمات المختبئة؟ عدم الرغبة في التحدث طوال الفترة القادمة؟ الرغبة الشديدة للإختفاء؟ عن ماذا أتحدث بالتحديث؟.. أتجاهل الواقع، أتجاهل الحرب والدراسة، وكل شيء.
السابع من إبريل:
أردت الكتابة، ولكن شيئا ما منعني عن ذلك. أشعر بالحزن الشديد.. قلبي لازال حزينًا.
العاشر من إبريل:
تقول أمي بأنني ولدت في هذا اليوم. الأوراق الرسمية تثبت ذلك. عيد ميلادي. شعور غريب. نحنُ محكمون بالوقت.. بالأرقام. ليست بي أية رغبة للتقدم في السن. فقط التلاشي شيئا فشيئا. ليست لدّي أيّة رغبة في مواجهة العالم والمسؤوليات.
كنت جالسة صباحًا على المقعد الذي يتوسّط السّاحة، أسفل الشجرة وبجانبي شُجيرات صغيرة. ثلاثة عصافير حلّقت بجانبي.. أحدهم يطير بسرعة شديدة أرعبتني.. أوه، بدا لي بأنه وجد وليمة لذيذة. فكّرت، وأنا أنصت لحفيف الأشجار وصوت العصافير وهي تتباهى بنغماتها وإنتقال صوتها في الهواء.. ماذا لو إختفت العصافير من العالم؟ كيف سيبدو الصباح إذا إستيقظت يوما ولم أسمع إلا فقط زامور السيارات! ياللوحشة!.
الرابعة والعشرون ليست سيئة كثيرًا.
13 من إبريل.
مساءً أكتب، مستمعة للموسيقى، وأفكر في نص قصّة قصيرة لكتابته.
أفكر في الكتب التي بدأت قراءتها.
وقتي مليء بالتفكير فقط.
لو أتوقف لحظة عن التفكير.

بيسوا:

(الأمل؟ بما سآمل؟ لايعدني النهار بأكثر من كونه نهارًا.. وأنا أعرف أن له مُدّةٌ محدودة وسوف ينتهي)

نصوص متفرقة:
“مُستلقيةً تحلم بما لم تحلم به مسبقا.
عندما تخلّت عن الأحلام
وجدت نفسها في الفضاء وحيدة
لا ملجأ لها
مُتخليةً عن الأحلام
ظنًا منها بأنها ستنجو”
*

اليوم التالي.
نفس عميق.
شهيق زفير.
تراب.
الهواء سيء.
لا يمكنني فتح النوافذ.
المنزل يختنق.
*

٢٣ إبريل على وشك الإنتهاء.
أحداث كثيرة تحدث في اليوم الواحد.. لكني دائما أشعر بفراغ هائل.
فراغ في القلب، فراغ في الرّوح.
الإيمان.
التصديق.
الله.

الفوضى العارمة التي تتخلّل كل الأحداث.

سيء، وجوه سيئة، قلوب سيئة، أرواح سيئة.

I hate you

.

٢٨..

إبريل على وشك الإنتهاء.
موسيقى حزينة.
عن آليس في بلاد العجائب:
قرأت رواية آليس في بلاد العجائب، ديسمبر الماضي باللغة الإنجليزية، لكنّي الآن أعدت قراءتها مترجمة.. شاهدت فيلم الكرتون الخاص بها.
كلما قرأت سطرا، تشكّل أمامي.
يا لحلمها العجيب. حيث تتحدث الأزهار، وتُقطع رؤوس أوراق اللعب.
أتذكر أحلامي. السخيفة. حسنا لن أكون قاسية هذه المرة. أحلامي الطفولية.
إبريل، شهر ميلادي.
نيسان شهر الزهور البريّة..
شاهدت الكثير من الأفلام الكرتونية، وأتممت قراءة كتاب آلبيرتو مانغويل “المكتبة في الليل”.

أشعر برغبة دائمة للإنعزال في غرفة بها العديد من الكتب، بها شرفة كبيرة جدا مليئة بالأعشاب والنباتات. فصل الربيع يدوم طوال العام. وكل يوم هو عيدميلادٍ للفراشات.

آوه.. آليس.
كوني حذرة بما تحلمين.

موسيقى شوبرت:

في رأسي بين الفينه والآخرى، أسمع صوت ساراماغو يُنادي: بيلار.

٢٩ إبريل.
ذهبنا للمستشفى وإلتقينا بالأستاذة أ. إستقبلتنا بلطفها المعتاد. (باقي ماحدث محذوف).

طفل ضائع بين أشجار الغابة
طفل صغير دخل الغابة ولم يخرج
يحمل قلبه بين يديه
ضاع الطفل
ضاع قلب الطفل.

أنهيت آليس اليوم. ٢٩ من إبريل للمرة الثانية.
مالذي أحضرك إلى عقلي؟
أوه، آليس سأفتقدك كثيرا.

سأعود لقراءتك مرة أخرى، ولكن يجب أن أخذ قسطا من الراحة.

رسمتُ آليس، رسمة الوداع ❤

آليس.. لا تتوقفي عن الحلم.

حلمت الفتاة بحلم غريب
ذهبت لتخبر والدها
كابوس، قال لها
لكنه لم يكن كابوس
صفن في وجهها
وأختفى.
عادت الفتاة للنوم
وعاد الحلم ذاته
يزورها بين الفينة والأخرى.
كابوس
تقبض على يديها وهي نائمة.
تنزل من السلالم
ترتدي جلبابا أسود
وغطاء رأسها رماديّ اللون
تنزل من السلال بحذر
وفي نهاية السلالم
طريق منزلقة
ثمّ تستيقظ.

لونّي بالأصفر
لونّي بالأخضر
لونّي بالأحمر
لأني بوليفيا، وأهلها.

6 آراء حول “نيسان (١٣)

  1. أحب نيسان… بالنسبة لي هو شهر للحياة وللموت، شهر مليء بالشجن، لكنني أحبه دونًا عن أي شهر آخر… هناك لحن خفي بيني حروفه تجعلني أسير له. حتى أنني ربط أحداثًا مهمة في روايتي به.

    الوقت… هل تُشكّل عقارب الساعة لكِ هاجسًا؟ لماذا لا يخبرنا عن مرور الوقت سوى ذهاب النشوة وبعض الشيب وكثير من التجاعيد! هناك التكتكات التي تصيبنا بالتوتّر.

    تك تك تك… انتبه الحياة تمر.
    تك تك تك… أنت تكبر.
    تك تك تك… فلتذهب تلك الدقات إلى الجحيم، أنا أعرف أن الوقت يمر… عندما أفقده… عندما يتسرّب من يدي… عندما تموت زهرة في يدي

    نحن نهرب من الوقت،لأننا نهرب من الموت.

    Liked by 2 people

    1. أشكر لك مرورك، وقراءة ما كتبته.
      رواية ونيسان؟ يبدو بأننا أمام عمل جميل حتما.
      حقيقة يا أحمد أن الوقت يشكل أزمة حقيقة بالنسبة لي. لا أدري لما نحن دائما محكومون بالوقت، بالساعات بالأيام بالأشهر بالسنوات وكل تلك الأرقام التي تضيق علينا الخناق. ربما لو كنا نحيا بدون “الوقت” لكنا أكثر فوضى وأقل رتابة، كنا لن نفكر في أي شيء ع الأغلب!.. ولكنّي ومع ذلك، ما أغفره للوقت هو إنقاذنا من الفوضى والعشوائية.

      دمت بود.

      Liked by 2 people

      1. آمل أن تعجبكِ الرواية… انتهيت من كتابتها ومازلت عالقًا مع دور النشر المختلفة.

        الوقت يُشكّل أزمة لنا عندما لا نتصالح معه، عندما نتعامل على أنه عدو لنا. في الحقيقة أن الوقت ليس عدوّا وإنما لا نُحبّه لأنه يُذكّرنا باقتراب لحظات الفراق، وحتمية الموت. الانسان يميل إلى الفوضى لأنه يميل إلى الهروب من المسؤوليات، نحن في الكثير من الأحيان نهرب من مسؤولية الحياة ذاتها، ونرغب في أن نقع في أعماق تلك الفوضى المحببة ، لهذا كل أحلامنا تقع في إطار خارج الزمن/ نحلم بأن نكون مع من نحب في مكان لا يمر فيه الزمن، لكننا بسذاجة نتناسى أنه في حالة توقف الزمن لننهل من أي متعة، سنجد الملل يبتسم لنا في سخرية ليحيل نشوتنا إلى سخافة!

        يجب أن نتماهى مع الوقت… نضبط دقاته مع دقات قلوبنا، ليصبح الوقت شاهدًا على الحياة، بلدأ من أن يكون شاهدًا على الموت!

        الوقت ما هو إلا وحدة قياس… لكن السعادة والرضا مكانها الروح.

        لكِ كل الود

        Liked by 1 person

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s