قصة قصيرة: ميوسيديا الطعام.

image

fly around the world - Seyjo seyjo

لقد نسيت الممرضات في المستشفى تنظيف الغرفة التي يقطن بها الأطفال المرضى. تركن الأطباق بجانب رؤوسهم، و ذهبن لتمضية باقي الوقت في الحفلة الي كان ينتظرها الجميع. انه الحفل السنوي لموظفي المستشفى. لا يمكن لأحد أن يفوّت فرصة الحضور، وربما.. ربما الحصول على شريك.
لقد كانت النوافذ مُشرعة، ونسي الجميع أن يغلق الباب الرئيسي للقسم الذي يقطن به الأطفال. نام الجميع، نومة هانئة.. عادا من كان يريد ان ينتهز هذه الفرصة الي لا تفوّت.
كانت عصابة الميوسيديا محظورة من دخول المستشفى بعد أن حصلت تلك الكارثة منذ مايقارب عن خمسين عاما. عندما دخلت من النافذة وإنتهزت فرصة أن تسكن جسد أحد المرضى، مما أدى ذلك لحصول كارثة كبيرة أدت لفصل الجميع، وموت الرجل.
الساعة قاربت على انتصافها، دخلت أول واحدة.. ثم تبعها الباقي، لم يكن يظن أحد منهم بأن الأمر سيكون هكذا، بغاية السهولة! ذُهل الجميع بوجود كل هذه الأطباق، والطعام الذي يبدو لذيذًا، كما هو طعام الأطفال.. بدأ أفراد العصابة بمضغ الطعام الموجود بجانب كل طفل. يمضغ كل واحد منهم الطعام ويعيد إرجاعه للصحن. يمضغ ويرجعه مره أخرى ثم يقوم بالمضغ، ويُرجعه.. إلى أن يتحول الى مادة لزجة، شبه سائلة بإمكانها أن تدخل الى خرطومه، ليقوم بعد ذلك بحقنه في فم الطفل النائم، الغير قادر على الحِراك. هكذا، فعل كل فرد من أفراد العصابة.. عندما إنتهوا، أغلقوا النوافذ والأبواب، وأعادوا كل شئ لمكانه، و رحلوا.
في اليوم التالي، عندما إستيقظ الجميع وبدأت جولاتهم في المستشفى، لاحظت الممرضات بأن ثمة شعاعًا أخضر، كشعاع الفلورسنت، يمتدّ من أسفل باب الغرفة التي يقيم بها الأطفال. قامت إحداهنّ بفتح الباب، ولكن ذلك الشعاع إختفى.
كانت الغرفة بيضاء، هادئة، تبعث السلام في روح من يدخلها، و روح قاطنيها. ولكن عندما دخلن جمعيهنّ لفحص الأطفال، فزعنّ وصرخنّ بأعلى مايمكنهنّ..
كانت أعين الأطفال تحولّت لبلورات زجاجيّة.. حمراء، خضراء، وزرقاء.. أما عن لون بشرتهم فقد إخضرت، وبعضهم تحوّلت لون أجسادهم الى لون المعدن اللامع.
خرجن جميعهنّ من الغرفة وأغلقنها وراءهنّ.. نسيت إحداهنّ إغلاق النافذة بالداخل، بعد أن فتحتها أثناء دخولها.. جيء بالجميع ليشهد الحادثة.
الأطفال يطنّون بالداخل، بعضهم نبتت له أجنحة شفّافة، وخراطيم. كان صوت الطنين يرتفع كلما نبتت لأحدهم أجنحة كاملة. صوت الطنين يُسمع في معظم ضواحي المدينة. ودرجات الحرارة المرتفعة، ساعدتهم على التحوّل بسرعة. ففي اليوم السادس من وقوع الكارثة، هبّت ريح عاصفة شديدة.. إقتلعت الشبكة الحامية للنافذة من دخول البعوض والحشرات، وشرّعت النوافذ على مصرعيها. أندهش الجميع لما حدث، وخرجوا جميعا أمام المستشفى يشهدون مايحصل.. كانت الريح تهبّ بشدّة، ليست بالباردة ولا بالحارّة. إنتشر الخبر بسرعة في المدينة، وإمتلأت الشوارع بالنّاس. كانت النساء تبكي لأطفالهنّ أسفل النافذة التي بدأت تخرج منها مخلوقات، صغيرة، ممتلئة الجسم، بأجنحة وخراطيم وعيون بلوريّة مختلفة الألوان. دهش الجميع. وكفّت النساء عن البكاء، وحلق الصغار في السماء في شكل خماسي، كأنهم يودعون الجميع، مرّوا على كل شوارع المدينة كلها وإختفوا.
توقفت الريح، وجلس الجميع في مكانه مندهشًا لما حدث. ثمّ عادت الممرضات للغرفة، ووجدنها كما هي.. كما كانت، كل مره. تبثّ روح السلام لداخليها. مرتبة، ومنظمة. وحتى الشبكة الحامية للنافذة، موضوعة في مكانها. ولكن على كل سرير، وضع صحنُ الطعام الذي نسينه الممرضات بجانب الأطفال في تلك الليلة.
في اليوم الذي أقيمت به الحفلة السنوية. علِم الجميع بأنها عصابة الميوسيديا. إنها لازالت بالجوار. وهذه ليست إلا رسالة تؤكد على وجودهم الدائم، وبأنهم يراقبوننا بإستمرار لإنتهاز أبسط الفرص.
أغلقت المستشفى، وأغلق سكّان المدينة أبوابهم و نوافذهم. وتوقّف الأطفال عن الخروج إلا في حالات طارئة، يتم فيها غطس الطفل في حوض من المادة الطاردة لكل من يقرب منه. وتحولّت تلك المدينة النابضة بالحياة، لمدينة رمادية.. تنتظر النساء كل ليلة أطفالهن أن يعودوا. يقمن بوضع الطعام بجانبهن قبل النوم.. ربما.. يقلنّ، سيعودون لنا.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s