من أمام المقهى، أجلس على الكرسي الخشبي بصوته المزعج ككل يوم، حاملا معي اللاشيء، لمحت جسما بعيدا يتحرك على الرصيف، إقتربت منه قليلا، ثم إستنتجت أنه رجل يبدو لي أنه في عقده الثلاثين، متوسط القامة، أصلع الرأس، هزيل المنظر.
لايحمل شيئا معه، مثلي تماما، اللهم إلا قميصه وبنطاله، ويبدو لي أيضا بأن شخصا ما قد أعطاهما له.
لايملك شيئا، إلا روحه وجسده، وهاهو يبدو لي، على وشك العبث بهما.
يتقدم قليلا أثناء مرور السيارات، ثم يعود لمكانه، يُدخل يده لجيب البنطال، ثمّ يخرجها فارغه، ويخرج محتواه فارغا، ثم يتأمل في السماء.
هدوء.. ثمّة حوارٌ يدور بين عبدٍ وخالق الآن.
لا أسمع شيئا، يلتف ليقابلني مباشرة، ولكنه لايطالع وجهي، كأنني طيفٌ مار، كأن أفكاره مشوشة، ثم يتقدم للطريق كلما يرى سيارة مسرعة، ويعود أدراجه.
قلبي يخفق بسرعة كلما رأيت قدمه تنزلق من على حافة الرصيف، أشعر كأنني على وشك الإصطدام بالسيارة.
مالذي يفكر به ذلك الرجل؟ أيريد قطع الطريق؟ أم ثمة شيء أخر يدور في خلده!
أغلقت عيناي، ورأيت قدمه تنزلق وبسرعة لمواجهة إحدى السيارات المسرعة، ورأيته يطير عاليا معانقا السماء، ومحتويات جيبه الفارغ تسقط منه، وتنفتح كمظلة وتسقطه على الأرض بآمان.
ثمّ.. فتحت عيني على صوت تصادم عنيف، وكانت الطريق مليئة بالناس، وأحدهم يسألني ماهو إسمي، ومن أين أنا؟.
كنت أهذي بالرجل..
-الرجل الذي كان واقفا أمامي أين هو؟
-من؟ أي رجل؟ يا أخي أحمد الله، فلقد كنت على وشك الإصطدام بإحدى السيارات، فلتحمد الله ولتعد لمنزلك!.
تبا، محاولة أخرى فاشلة.