( كل شيء هُنا في بنغازي يثير الغثيان ، الشوارع ، الغاز ، الهواء ، طوابير الخبزة ، الأمل ، الخوف ، الموت ، التفجير ، علبة العصير الفارغة ، الممرات الضيقة ، إشارات المرور ، الأطفال الذين يتجمعون صباحا لللعب بدلا من الذهاب إلى المدرسة ، إنتظار اللحظات الحاسمة ، سقوط الصواريخ ، اللامبالاة إتجاه الرصاصات الطائشة ، العمر الذي يركض أمامنا و لا نستطيع اللحاق به .
كل شيء أصبح مُبهما ، الناس صرعى يواجهون الحياة مغمضي الأعيُن .
إننا في بنغازي ، كذلك السجين الذي يرى من ثقب الجدار الناس يلهون و يلعبون ، و هو يصرخُ للنجدة ، يصرخُ و يصرخ ، بأعلى صوته ، لكنّهم لا يسمعون . لا يأبهون ، و هو مسكينٌ يتخبّط بين الجدران .
أهي لعنةٌ إذًا أن تكون من هذه المدينة ؟
أصبحت هذه المدينة ، منكوبة ، و هي من كانت تفتح ذراعيها المملوءة بالزهور لإحتضان الغرباء وتنسُبهم لها ، و تبكي معهم . هذه المدينة أصبحت تلفظ من كانت تظنهم أبنائها للخارج ، تودعهم بدموعٍ حارّة ، ترثي نفسها ، و أرضها ، شوارعها و كل زاوية منها ، تحدّث نفسها ” أحببتكُم أكثر مما ينبغي ، و أحببتُوني أقلّ مما أستحق ” ، بنغازي أصبحت ضيقة ، ضيقةٌ حدّ الإختناق . ! )✺
–
هذه الكلمَات و العياذ بالله ، كُتبت في لحظات من إنقطاع التيار الكهربائي ، في أجواء باردة جدا ، و الكره الذي يملأ بعض الأسطر ماهو إلا حُبٌ ولكن بطريقة ما خاصة .