عند الفجر

في كل ليلة أقول بأنها أخر ليلة , سيسقط على منزلنا الصاروخ , ونصبحُ ذرّات منثورة , سينتشلونَ جثثنا عند شروق الشمس , يبكون علينا يومان , أو يوم واحد على الأقل , فالنّاس هُنا في مدينة الموتى قد ملّوا البكاء .
لكنّي أتفاجأ في صباح اليوم التالي , أننا لازلنا على قيد الحياة .

21/11/2014
مرّ أكثر من شهر على الخامس عشر من أكتوبر ولا زلنا نُعاني , نُعاني الأمرّين , نحنُ سجنَاء المدينةِ المنكوبة , ندفنُ بعضنا البعض , ولازال فينا حيل لدفن الباقي .

أحلمُ بذلك اليوم الذي أخرج فيه لرؤية شوارع بنغازي , فأراها رُكامًا , و أبدأ بالبكاء .

3:10 صباحًا .
أفكّر . ماذا بعد ؟ … الطريق مسدود , يا إلهي يبدو أنني بدأت أفقد الأمل ! عن أي أملٍ أتحدث بالتحديد ؟؟ ياللغباء المُستميت ! لا ليس هنالك أمل , لكن هنالك صبر , وهُو الأمر الذي أقتاتُ عليه حاليًا .

حاولت , حاولتُ كثيرًا ,
 أن أرسم شجرا و سماء
أن أرسم  طيرا وماء
أن أرسم زهرا و دواء
أن أرى الـ ماذا بعد هذا ! لكن محاولاتي باءت بالفشل …
شاشة سوداء .

كلما قلتُ لنفسي شيئًا يبعثُ الروح فيّ , ضحكتُ عليّ وعلى نفسي وبكيتُهما .

3:16 صباحًا .
تراودني نفسي باليأس , ولكنّي أقاوم , ثمّة أُناس أسوء منّا حالًا . الحمدُ لله .
” الفجر من رحِم الظلام سيولد ” , سيولد حتمًا ولا شكّ في ذلك , أخشى أنّي لن أحضُر ولادته .
وساوس شيطان , إستغفر الله !

أصبح الأمر يُضايقني حقًا , لا أدري لماذا ! فأنا أقلّ المتضررين من هذا الوضع … أكثر المتعودين على هذا الوضع .

الحياة الروتينيّة , ياه كم أشتاق لتلك الحياة , من هنا أعلن بأني أشتاقها كثيرًا .

العجز , لا ليس شكلًا بل شعورًا , يأكلني شيئًا فشيئًا .

كل الأشياء بالنسبةِ لي أصبحت متساوية , ماعادت الأمور التافهة تهمنّي , ماعاد البشر يهمّوني ” كاذبة “

 البارحة ضحكتُ على شيء تافه , لا أذكر ماهو , كل الذي أعرفه أنّه تافه … الحمدُ لله أنني لازلت قادرة على الضحك .

يا ربّاه . لم أكن أعلم بأنّ ثمّة إعلانٌ لتحريرٍ ثاني ! لو كنت أعلم ذلك لـ … لا أعلم بالتحديد , ولكن الأمر يزعجني حقًا .

” الليبيين سريبهم معش يفض “
” شاوروا مره أخرى “
” بطلوا تقليد “
” لم تخلقوا لمثل هذه الأشياء ! “
” إذا قررت ألمانيا قلب خريطتها , و لامبيدوزا بناء سور حول جزيرتها , ومصر الإنتقال إلى قارة أوروبا , و تونس الإنضمام مع الجزائر , أرجوكم ! أرجوكم … إبقوا كما أنتم . “
” أبهرنا العالم “
” ثلاث سنوات من الحرية المزعومة “
” الحياة توقفت للأسف “

هل أبكي عمرًا ضاع هباءً منثورا ؟
أم أبكي بلدًا ؟
أم أبكي شهيدًا ؟
أم أبكي شجرًا ؟

3:29 صباحًا .
صوت خروج الصاروخ لا يُخيفني , بل فكرة سقوطه هي المخيفه . أي منزل سيختار ! أي شارع ؟ أي عائلة , أي حـ …

أصوات الرصاص , الصواريخ , تليها الدعاوات .
  

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s